في السويد، إعادة التدوير ليست إلا البداية
إعادة تدوير النفايات بشكل كلي هو هدف تسعى السويد لتحقيقه. يتطلب ذلك الالتزام بتغيير عادات حياتنا اليومية.
روتين يومي لإعادة التدوير في السويد
إعادة التدوير في السويد هو روتين اعتاد عليه الجميع منذ الصغر. في الصباح الباكر، يتوجه دانييل لإحضار دراجته الهوائية من مخزن العمارة السكنية التي يعيش فيها وسط العاصمة ستوكهولم. هذه الخطوة تتم بعد أن ينتهي من فرز العبوات الفارغة وإلقائها في الحاويات المخصصة لكل نوع من النفايات.
يُعيد السويديون تدوير النفايات التي يصل وزنها إلى طنين اثنين من النفايات لكل شخص سنويًا، وإليكم لمحة بسيطة عن إعادة التدوير في السويد.
يقول دانييل الذي يقطن مع شريكة حياته ومع ابنته شارلي: «إعادة التدوير عملية لا تتطلب الكثير من التفكير، فالأمر لا يتعدى القيام بفرز النفايات، وهو جزء آخر من نشاطنا الاستهلاكي اليومي الكبير.»
يضيف دانييل قائلاً: «يرتبط جزء كبير من إعادة التدوير الذي نقوم به بالتفكير في وضع البيئة التي ستعيش فيها ابنتنا في المستقبل. أنا نشأت في التسعينات من القرن الماضي، وعدم إعادة التدوير شيء شاذ بالنسبة إلى جيلنا، لكن آمل أن يتعدى الأمر ذلك بالنسبة لجيل شارلي. فهي منذ الآن تعتقد أن وضع العبوات في حاويات إعادة التدوير أمر ممتع.»
هدف الحد من هدر الطعام بحلول عام 2025
حددت الحكومة السويدية هدفًا بتقليص هدر الطعام بنسبة 20% من وزنه عن كل شخص ما بين عامي 2020 و2025.
يجب على الجميع فرز نفايات الطعام الخاصة بهم - بموجب القانون
اعتبارًا من الأول من كانون الثاني/يناير 2024، سيطالب الأفراد بفصل جميع بقايا الطعام بشكل منفصل عن باقي النفايات المنزلية. هذا ينطبق على الأسر والشركات على حد سواء. كما أنه من الضروري لجميع السلطات المحلية في السويد توفير مجموعة منفصلة من نفايات الطعام.
بدء العمل لفصل بقايا الطعام بالفعل منذ سنوات في أجزاء كثيرة من البلاد. لكن لم يتم تنظيم فصل بقايا الطعام بالقانون حتى بداية عام 2024. تعتبر مخلفات الطعام مصدرًا كبيرًا للطاقة وتستخدم، من بين أشياء أخرى، كغاز حيوي – لتحل محل الوقود الأحفوري.
الأمر لا يتوقف عند إعادة التدوير
تتمثل المشكلة الأساسية اليوم في صعوبة التخلص من مخلفات الكثير من المنتجات التي لا غنى عنها. الاتجاه الجديد الآخذ في الانتشار يسعى إلى ضمان إمكانية إعادة استخدام كل شيء بطريقة أو بأخرى.
يطلق على هذا التوجه اسم «الاقتصاد الدائري»، حيث يقوم على اعتماد المنتجات القابلة لإعادة الاستخدام بشكل كامل، في نهج يدعى «نهج من المهد إلى المهد». في عام 2018، أنشأت الحكومة السويدية فريقًا استشاريًا خاصًا أطلق عليه اسم الفريق الاستشاري للاقتصاد الدائري (الرابط باللغة السويدية). مهمة هذا الفريق هو دمج نهج الاقتصاد الدائري بشكل أساسي في السياسات الحكومية.
تغيير السلوكيات المرتبطة بإعادة التدوير في السويد
تتصدر هذا الاتجاه شركة ناشئة انبثقت من قلب المشهد النشط لقطاع التصميم في ستوكهولم. اسم هذه الشركة بِتييندِلابِّت (الرابط باللغة السويدية) ومعناه مختبر السلوكيات. تسعى الشركة إلى إيجاد حلول مبتكرة تتيح تبني أسلوب عيش مستدام. تستفيد الشركة من تراث السويد الغني في مجال التصميم الصناعي، فضلاً عن استقطابها لخريجي معاهد التصميم المرموقة في ستوكهولم، وهدفها تغيير أسلوب حياة السويديين.
تقول إيدا لوموان التي أسست شركة بِتييندِلابِّت: «يحتاج الناس برأينا إلى الخدمات التي تتيح لهم التصرف بشكل صائب. يتعين علينا أن نمكّن أنفسنا كمستهلكين من التشارك في استخدام وإعادة استخدام جميع أنواع الآلات الصغيرة، والملابس، والأثاث، لا بل حتى أن يشمل هذا التوجه أماكن عملنا وسكننا.»
إعادة التدوير في السويد - أرقام ذات دلالات:
* 4,600,000 طن من النفايات المنزلية هي مجموع ما تمت إدارته في عام 2020. هذا يتم بمعدل 449 كيلوغرام من النفايات عن كل شخص سنويًا.
* يتم تحويل أكثر من 50% من النفايات المنزلية وما شابه ذلك إلى طاقة.
المصدر: هيئة حماية البيئة السويدية
إصلاح المواد المستعملة وإجراء الأبحاث، جزء لا يتجزأ من إعادة التدوير على الطريقة السويدية
في عام 2017، أجرت الحكومة السويدية إصلاحات على النظام الضريبي. هذا يعني أنه بات يمكن الاستفادة من أسعار مخفضة عند إصلاح المواد والأدوات المستعملة. ومنذ عام 2020، بإمكان زبائن شركة إتش أند إم في ستوكهولم المساهمة في عملية إعادة تدوير ملابسهم غير المرغوب فيها وصنع ملابس جديدة من خلال مشروع لوب لإعادة تدوير الملابس واستخدامها لإنتاج ملابس جديدة. من خلال هذا النظام، تعمل الشركة على تنظيف الملابس القديمة ومن ثم تمزيقها إلى ألياف وإعادة غزلها لصنع خيوط جديدة تستخدم في حياكة أزياء جديدة تجاري الموضة.
وبذات الوقت، يعمل الباحثون في تطوير مواد جديدة لصنع ملابس تتسبب بأضرار أقل للبيئة مقارنة بما يتم صنعه في الوقت الحالي.
وماذا بعد إعادة التدوير؟
«تبدأ الخطوة الأولى بالنظر في كيف يمكننا تغيير عاداتنا وسلوكياتنا اليومية.» وفقاً لإيدا لوموان من شركة بِتييندِلابِّت. على هذا الأساس، تستخدم هي وفريقها أسلوب تغيير السلوك الاستهلاكي من خلال أسلوب تشجيعي يُسمى 'nudging'، أو الوكز، لإحداث تغييرات صغيرة في أسلوب حياة الأفراد ومحيطهم، لتساعدهم في تبني معيشة أكثر استدامة.
وتضيف لوموان قائلة: «ثمة ثلاثة أمور بإمكان المستهلكين القيام بها وإحداث فرق هائل من خلالها، وهي استهلاك كميات أقل من اللحوم، والتوقف عن إلقاء الأشياء في القمامة، والتقليل من السفر باستخدام الطيران. إذا التزمنا جميعًا بهذه الأمور الثلاثة سنكون فعلاً على قدم وساق في إحداث التغيير.»
نظام البانت لرهن العبوات وإعادة تدويرها
استحدثت السويد منذ زمن بعيد نظاماً لوضع رهن مالي على علب الشراب المصنوعة من الألومنيوم والزجاجات البلاستيكية يتيح استرداد المبلغ المرهون لدى إعادة تدوير هذه العبوات، بدأ هذا النظام عام 1984 بالنسبة لعلب الألومنيوم وعام 1994 للزجاجات البلاستيكية. كل عام، يعيد السويديون تدوير أكثر من مليوني زجاجة وعلبة باستخدام نظام البانت. وثمة فعل استُحدث خصيصًا في اللغة السويدية يعبِّر عن إعادة تدوير هذه المنتجات من خلال نظام الرهن وهو فعل 'Panta'-بانتا.
من يتولى أمر جميع هذه النفايات؟
هذا التحول في مجال إعادة الاستعمال ما كان ممكنًا لولا جميع الجهات الفاعلة التي تتولى فعليًا التعامل مع ما تنتنتجه السويد من نفايات.
إحدى هذه الجهات هي الجمعية السويدية لإدارة النفايات، والتي تعمل على تيسير الانتقال إلى الاقتصاد الدائري، حيث يستمر الناس باستخدام المنتجات لفترات أطول وبطرق أذكى. يتضمن ذلك تشجيع المواطنين والمستهلكين وإرشادهم لتغيير سلوكياتهم، كما يعني ذلك توفير البنية التحتية اللازمة لكي يتمكن الناس من فرز المنتجات بأنفسهم.
كما دفعت زيادة خطر تغير المناخ بالسويد إلى استخدام المخلفات لإنتاج الطاقة لتشغيل كل شيء، من الباصات إلى أنظمة التدفئة. فالنفايات يتم حرقها في أفران ذات انبعاثات كربونية منخفضة، وفضلات الطعام يتم تحويلها إلى وقود حيوي غير ضار بالمناخ.
مستقبل إعادة التدوير في السويد
بالنسبة لدانييل سلبرستين وابنته تشارلي، المستقبل يبدأ في المنزل.
تقول تشارلي: «على أصدقائي ألا يلقوا النفايات على الأرض»، وهو ما يوافق عليه والدها، مضيفًا:
«في المستقبل ، سنلتفت وننظر إلى أساليبنا الحالية في إعادة التدوير، تمامًا كما ننظر اليوم إلى الوقود الأحفوري ومطامر النفايات. كل هذا سيبدو ضربًا من الجنون.»