السويد بلد الابتكارات
بيئة تحتضن روح الابتكار وتدعم ريادة الأعمال. إليكم كيف.
يتابع العالم باهتمام كبير حيوية قطاع الشركات السويدية الناشئة، غير أن للسويد باع طويل في مجال الابتكار.
ثمة عوامل متعددة قد تفسّر ذلك، منها تطلّع السويد نحو أفق عالمية، فقطاع التصدير يشكل قوة دافعة كبيرة في السويد نظرًا إلى أن السوق المحلي صغير نسبيًا. وتشمل العوامل الأخرى الاستقرار الاجتماعي وتوفّر الدعم الحكومي، فضلًا عن وجود درجة عالية من المساواة.
التعليم والبحث
تركز السويد منذ زمن طويل على التعليم والأبحاث، وهو ما كان له أثر بالغ الأهمية على القدرة على الابتكار. ففي عام 1842 بدأت السويد باتباع سياسة التعليم الإلزامي للأطفال ما بين عمر 7 سنوات و13 سنة، وهو ما أصبح اليوم من عمر 6 سنوات إلى 15 سنة. كانت هذه خطوة كبيرة الأهمية غيرت من مجرى الأمور، حيث رفعت المستوى التعليمي العام للشعب، وباتت أحد العوامل الحيوية في مسيرة تحول السويد من بلد زراعي فقير إلى بلد غني رائد في الابتكار. واليوم، حوالي ثلث سكان السويد أنهوا مرحلة ما بعد التعليم الثانوي.
وتتبع السويد قاعدة تتمثل في استثمار البلاد ثلاثة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في مجال البحث والتطوير، وهو أفضل ما يثبت التزام السويد بهذا المجال.
ويبرع الباحثون والشركات في السويد بشكل خاص في مجال التكنولوجيا الخضراء وعلوم الحياة. وقد أنشأت الحكومة السويدية دائرة لعلوم الحياة تعمل على إعداد استراتيجية وطنية بهدف المضي قدمًا في تطوير مجال علوم الحياة.
الشركاء الرئيسيون
تؤدي الوكالة الحكومية السويدية للابتكار، فينّوفا، دورًا محوريًا في مجال الأبحاث في السويد، حيث تشجع وتموّل الوكالة المشاريع البحثية في مجالات واسعة النطاق تشمل على سبيل المثال لا الحصر مجال الصحة والنقل والمواد الصناعية والمدن الذكية.
شريك آخر هو مؤسسة المعرفة، وتموّل هذه المؤسسة العمل البحثي وتطوير الكفاءات في الكليات والجامعات الجديدة في السويد بهدف تعزيز قدرة السويد على المنافسة.
كما تعمل الوكالة السويدية لتنمية الاقتصاد والمناطق في سبيل تعزيز التنافسية وتسهّل ريادة الأعمال في جميع أرجاء السويد.
السويد والسلامة على الطرقات
أصبح اليوم مفهوم السلامة المرورية في السويد المعروف باسم الرؤية الصفرية مثالًا رائدًا يحتذى به في كل أنحاء العالم. الهدف من الرؤية الصفرية هو ألا يفقد أحد حياته أو يصاب بجروح خطيرة في حوادث السير.
باختصار، يتعلق هذا المفهوم بتكييف الطرقات والمركبات بحيث تتناسب مع قدرات الأشخاص الذين يستخدمونها.
البنية التحتية
السويد بلد ضخم يمتد على مساحات شاسعة من شماله إلى جنوبه، ولهذا كان وجود بنية تحتية تعمل بشكل جيد ضرورة حتمية لضمان سير عجلة التقدم في البلاد، إن كان ذلك على صعيد سكك القطارات وصولًا إلى قطاع الاتصالات والإنترنت ذات الحزمة العريضة. وساهمت السياسات الهادفة إلى ضمان القدرة على الاستفادة من التكنولوجيا والإنترنت في وضع السويد اليوم على خارطة أكثر بلدان العالم قدرة على الابتكار.
وفي التسعينات من القرن الماضي، طوّرت السويد شبكة حزمة عريضة وأتاحت للسكان الاستفادة بشكل مبكر من الإنترنت السريع، بالإضافة إلى تمويل برامج أتاحت للسويديين استعارة أجهزة الحاسوب، وهو ما جعل من المجتمع السويدي من أوائل من اعتمد ثقافة الحاسوب والإنترنت.
وفي عام 2016، اعتمدت الحكومة السويدية استراتيجية للحزمة العريضة تهدف إلى نشر الإنترنت عالي السرعة في جميع أنحاء السويد بحلول عام 2025.
مراتب عليا
إن حضور السويد وتأثيرها على مشهد الابتكار العالمي لا يتناسب مع الحجم الصغير لهذا البلد الواقع في أقاصي شمال الكرة الأرضية، حيث لا يتعدى مجموع سكان السويد نسبة 0.13 في المائة من مجموع سكان العالم. وحازت السويد عدة مرات على المرتبة الأولى في مؤشر الابتكار الأوروبي، وهو مؤشر سنوي تصدره المفوضية الأوروبية. ويقيّم المؤشر نقاط القوة والضعف في أنظمة الابتكار الوطنية ويساعد البلدان على تحديد المجالات التي ينبغي التصدي لها.
وتحرز السويد عادة مراتب عالية في الدراسات الاستقصائية المتعلقة بالابتكار مثل مؤشر الابتكار العالمي ومؤشر ليغاتوم للازدهار.
التحديات
صنف المنتدى العالمي الاقتصادي السويد كواحدة من البلدان ذات القدرة التنافسية الأفضل في العالم في تقرير التنافسية العالمي السنوي، حيث أحرزت أفضل النتائج من ناحية الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلي والقدرة الابتكارية. وتشمل التحديات التي تواجهها السويد الضرائب المرتفعة نسبيًا وقوانين العمالة.
بعض العوامل الأخرى التي قد تؤثر بشكل سلبي تتمثل في الإيجارات العالية والنقص في المساكن في المدن الكبرى، وهو ما يجعل من الصعب أحيانًا للعاصمة ستوكهولم أن تستقطب أصحاب المواهب من الشباب في وجه المنافسة من مدن أوروبية أخرى. كما أن الرسوم الدراسية العالية للطلبة من الدول من خارج الاتحاد الأوروبي قد تؤثر بشكل سلبي على قدرة السويد على الجذب.
ويمثل الطقس تحديًا آخر، ففصل الشتاء في السويد معتم وبارد بلا هوادة، وقد يكون من الصعب الاقتناع به! ولكن في ذات الوقت، يقول البعض أن أشهر الشتاء القاسية لها فضل في مدى قدرة السويديين على الابتكار. إذ يجادل هؤلاء قائلين إن فصل الشتاء الطويل والبارد يشجع أصحاب القدرة على الابتكار على البقاء في الداخل وشحذ مهاراتهم وتطوير أفكارهم. إن كان ذلك حقًا صحيح، يمكن وصف روح الابتكار السويدية على أنها قوة من قوى الطبيعة في السويد!