أستريد ليندغرين: أحد أشهر كتَّاب أدب الأطفال في القرن العشرين
شخصية «جنان ذات الجورب الطويل» كانت سر شهرتها، ولكن هل تعلمون أن ليندغرين كان لها دور كبير في التأثير على الرأي العام السويدي؟
أستريد ليندغرين (1907-2002)
واحدة من المُؤَلِّفُات الأكثر تَرجمة في العالم، وواحدة من السويدين الأكثر شهرة على الإطلاق. أصبحت أستريد ليندغرين كاتبة في مرحلة متأخرة نسبيًا من حياتها، وتبع ذلك أن أصبح لها تأثير كبير على القضايا العامة، وكانت شعبيتها سببًا لإصغاء الناس لها.
ولادة شخصية بيبّي
رأت شخصية «بيبّي لونغ سترومب» النور بجانب فراش طفلة مريضة، إذ كانت ابنة أستريد ليندغرين واسمها كارين طريحة الفراش. طلبت كارين من أمها أن تسرد عليها قصة بيبّي لونغسترومب (وهو اسم بيبّي باللغة السويدية، ومعناه بيبّي ذات الجوارب الطويلة). لم يكن ليخطر على بال أستريد وابنتها حينها أن نجمة عالمية قد أتت إلى الوجود! سردت ليندغرين العديد من القصص عن بيبّي، ومن ثم كتبت هذه القصص بمناسبة عيد ميلاد كارين العاشر.
هل سبق أن تعرفتم على بيبّي؟ إن كان الجواب نعم فلا شك أنكم تعلمون أنها فتاة تتحدى جميع الأعراف. فهي تعيش لوحدها مع أنها لا تزال طفلة، وهي قوية لدرجة أن بإمكانها رفع حصان بمفردها. من السهل إذًا أن تتخيلوا مدى البلبلة التي تسببت بها هذه الطفلة في الأربعينات من القرن الماضي. هذا لأن شخصية بيبّي كانت متمردة ولا تكنُّ الكثير من الاحترام للبالغين أو السُلُطات.
صدر أول كتب بيبّي بيبّي لونغ سترومب في عام 1945، عندما كان عمر ليندغرين 38 سنة. لاقى الكتاب نجاحًا فوريًا، ومن ذلك الحين تُرجمت كتب بيبّي بيبّي لونغ سترومب إلى ما يزيد عن 75 لغة.
لماذا يحتاج الأطفال إلى الكتب؟!
عندما استلمت ليندغرين جائزة هانس كريستيان أندرسن للأدب عام 1958، ألقت كلمة بعنوان «لماذا يحتاج الأطفال إلى الكتب». قالت فيها: «أريد أن تتوجه كتاباتي إلى قرّاء بمقدورهم صنع المعجزات. والأطفال يصنعون المعجزات عندما يقرؤون.»
كتب، كتب، والمزيد من الكتب!
أحد المواضيع التي تتكرر في كتابات ليندغرين يتعلق بالأطفال الوحيدين والمُهمَلين. كما أن ليندغرين لم تتوان عن التطرق إلى المواضيع المحزنة أو العاطفية. فمساعدة الأطفال على التغلب على المواقف الصعبة كان واحدًا من العوامل التي دفعت بها إلى الاستمرار في الكتابة.
كتاب «كارلسون على السطح» يتناول موضوع الوحدة بأسلوب مرح بعض الشيء. فكارلسون، كما يحلو له أن يصف نفسه، شخصٌ في عز شبابه، وهو وسيم، ونبيه جدًا، وممتلئ الجسم بشكل مثالي. كارلسون هو الصديق الوهمي لإريك، وإريك هذا هو الأصغر ما بين ثلاثة أشقاء، ويشعر أحيانًا بالإهمال والتحجيم. كارلسون، والذي يتنقل عن طريق مروحة على ظهره، ويعتقد أنه «الأفضل في العالم» يساعد إريك على نسيان ما يشعر به من خيبة أمل. يتفنن إريك وكارلسون في الشقاوة، فيتسللون خلف الناس، ويغيظون إخوة إريك ومدبرة المنزل، ويتنكرون كالأشباح، ويلاحقون اللصوص الأغبياء.
شخصية كارلسون طفولية أكثر من شخصية «ماري بوبينز»، وتشبه النحلة الطنانة أكثر من شبهها بشخصية «بيتر بان». هذه الشخصية لرجل صغير الحجم، وغريب الأطوار، وذات الثقة المفرطة بنفسه دخلت قلوب الكثيرين حول العالم.
قائمة كتب ليندغرين للأطفال طويلة، إذ كتبت 34 كتابًا من عدة فصول و41 كتابًا مصورًا، ولم تترجم كلها إلى اللغة العربية.من الشخصيات الأخرى التي تعرّف عليها الأطفال حول العالم أجمع شخصية الطفل «إيميل من لُونبريا»، وشخصية «رونيا ابنة قاطع الطريق»، و«الأخَوان قلب الأسد»، والعديد من الشخصيات الأخرى التي نسجها خيالها.
حكاية خرافية حول الضرائب
في عام 1976، عندما كان عمر أستريد ليندغرين 68 عامًا، نشرت مقال رأي في صحيفة سويدية يومية حول ثغرة في النظام الضريبي السويدي كانت تتسبب حينها في أن تضطر ليندغرين، بصفتها كاتبة تعمل لحسابها الخاص، إلى دفع ضريبة دخل نسبتها 102 في المائة من دخلها. كتبت ليندغرين المقال على شكل حكاية خرافية بعنوان «بومبيريبوسا في مونيسمانيا». تصدر حينها المقال الصفحات الأولى وأدى بالفعل إلى إحداث تعديل على قانون الضرائب.
لينا تورنكفيست، المتخصصة في أدب أستريد ليندغرين والتي كانت مسؤولة عن أرشيف الكاتبة في المكتبة الوطنية في السويد، قالت حول أثر مقال ليندغرين: «لا أعتقد أن أنها كانت تخطط للتسبب بثورة، غير أن هذا بالفعل ما حصل»
حظر العقوبة البدنية للأطفال
سخّرت كذلك ليندغرين قدرتها على التفكير بشكل منطقي، وحدّة ذهنها، وقدرتها على التعبير بوضوح للتصدي لمسألة العنف ضد الأطفال. فحين حازت على جائزة السلام التابعة لجمعية دور النشر الألمانية في عام 1978، استخدمت خطاب قبول الجائزة الذي كان عنوانه «لا للعنف» كمنبر للتعبير عن آرائها.
تقول تورنكفيست حول خطاب ليندغرين: «كانت فحوى الخطاب أن الأطفال الذين يترعرعون في بيئة عنيفة من المرجح أن يُمارسوا العنف بدورهم كبالغين. وقد يكون ذلك في غاية الخطورة في حال وصول هؤلاء إلى مواقع سلطة.»
أثار الخطاب اهتمامًا كبيرًا في السويد وألمانيا وغيرها، وكان من ضمن العوامل التي جعلت من السويد في عام 1979 أول بلد قي العالم يحظر ضرب الأطفال .
أثار كذلك انخراط ليندغرين في هذه القضية اهتمام ضحايا العنف الجسدي. فبعد إلقائها الخطاب، هرب صبيان من دار رعاية في ألمانيا ووصلوا إلى عتبة دارها. ساعدتهم ليندغرين على العودة، ضامنة حسن معاملتهم بعد ذلك.
أستريد ليندغرين وحقوق الحيوان
هذا الحافز لدى ليندغرين لحماية المغلوب على أمرهم من بطش أصحاب النفوذ امتد ليشمل كذلك الحيوانات، حيث أصبحت مناصرة بارزة من مناصري منع القسوة ضد الحيوانات.
وعلّقت تورنكفيست على ذلك بقولها: «لم تكن ليندغرين نباتية، ولكنها كانت تعرف أننا إن أردنا الحفاظ على إنسانيتنا علينا أن نعامل باقي المخلوقات الحية باحترام.»
حملة ليندغرين، التي بدأت كرد فعل على تربية الحيوانات والمواشي في المزارع على نطاق صناعي، حركت الرأي العام ودفعت بالحكومة إلى الإعلان عما يُسمَي بقانون ليندغرين للرفق بالحيوان كهدية للكاتبة في عيد ميلادها الثمانين.
أستريد ليندغرين مُلهِمة السويد
الشخصيات العديدة التي ابتكرتها ليندغرين في كتبها أعطت مصداقية لآرائها، من هذه الشخصيات «بيبّي ذات الجوارب الطويلة» المناهضة للاستبداد. تدافع بيبّي عن الأطفال ويدفعها إلى ذلك قناعاتها القوية بأهمية العدالة. أما قصة «الأخوان قلب الأسد» فتتطرق إلى مواضيع أكثر تعقيدًا مثل النمو العاطفي والموت. وتقول تورنكفيست معلقة على ذلك: «كان الجميع يعلم مواقف ليندغرين، وإن كانت تعبر عن آرائها بطريقة غير مباشرة في كتبها.»
مع قرب آخر أيام حياتها الطويلة والمنتجة، أصبح تأثير ليندغرين كبيرًا لدرجة أن الصحفيين كانوا يتصلون معها ويسألونها عن رأيها حول قضية ما، ومن ثم ينشرون جوابها في الصحف. فحالما كانت ليندغرين تدلي برأيها حول قضية ما، تصبح تلك القضية ذات قيمة صحفية.
«أرادوا معرفة رأيها حول كل شيء، من رعاية الأسنان إلى السلام العالمي،» وتضيف تورنكفيست: «نادرًا ما كانت أستريد تختار الموضوع.»
حين تم اقتراح انضمام السويد إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما كانت ليندغرين تعارضه، وصلت قوة تأثيرها إلى درجة أن وسائل الإعلام المؤيدة لانضمام السويد حرصت على تجنب الحديث معها.
علقت تورنكفيست على ذلك بالقول.«كانوا يعلمون أن إتاحة المجال لها كانت ستؤثر على مجرى النقاش.»
قد تعلمنا الكثير على يد بيبّي
حتى مع بلوغ ليندغرين العقد الثامن والتاسع من عمرها، ظلت تستلم الرسائل من أشخاص يلتمسون الحصول على دعمها لقضاياهم المختلفة. أحد هؤلاء كان شخصًا ينتمي إلى الحركة الفوضوية، وكان مقهاه، والذي يرتاده رواد موضة البانك في نواحي ستوكهولم، مهددًا بالإغلاق.
كتب لها صاحب القضية قائلًا: «انضمي إلينا في معركتنا، فنحن تعلمنا على يد بيبّي!»
فوفقاً لتورنكفست: «لم يعتبرها الناس سيدة مسنّة، وكان ذلك جزءًا من مشكلتها، حيث كان يُطلب منها أكثر مما يتوقعه المرء عادة من شخص مسن وعلى وشك أن يفقد بصره وقدرته على السمع.»
إن الإرث الذي خلّفته ليندغرين للسويد يتضمن أكثر من كتبها المحبوبة، إذ يتسع نطاقه ليشمل السلوكيات التي ساهمت بتشكيلها والقوانين التي ساعدت في إحداثها.
سوزان أوهمان-سُندين التي شاركت بعد وفاة ليندغرين في تحرير كتاب حول تأثيرها الجماهيري. أوجزت ذلك بقولها: «لامست أستريد الإنسان السويدي العادي، وكل ما قامت به تضمن مزيجًا من العقلانية والصراحة والدفئ، وهو ما ميّزها.»